القدوس السلام
قال الله تعالى : ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام ) . القدوس السلام معناهما متقاربان فإن القدوس مأخوذ من قدس بمعنى نزهه وأبعده عن السوء مع الإجلال والتعظيم . والسلام مأخوذ من السلامة فهو سبحانه السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النقص ومن كل ما ينافي كماله ، فهو المقدس المعظم ، المنزه عن كل سوء السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النقصان ومن كل ما ينافي كماله فهذا ضابط ما ينزه عنه ، ينزه عن كل نقص بوجه من الوجوه وينزه ويعظم أن يكون له مثيل أو شبيه أو كفؤ أو سمي أو ند أو مضاد وينزه عن نقص صفة من صفاته التي هي أكمل الصفات وأعظمها وأوسعها ومن تمام تنزييه عن ذلك إثبات صفات الكبرياء والعظمه له ، فإن التنزيه مراد لغيره ومقصود به حفظ كماله عن الظنون السيئة كظن الجاهلية الذين يظنون به ظن السوء ظن غير ما يليق بجلاله وإذا قال العبد مثنياً على ربه سبحان الله أو تقدس الله أو تعالى الله ونحوها ، كان مثنياً عليه بالسلامة من كل نقص وإثبات كل كمال . قال الإمام بن القيم رحمه الله تعالى في اسم السلام ( الله أحق بهذا الإسم من كل مسمى به لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه فهو السلام الحق بكل اعتبار والمخلوق سلام بالإضافة فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وهم وسلام في صفاته من كل عيب ونقص وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه بها نفسه ونزهه به رسوله فهو السلام من الصاحبة والولد والسلام من النضير والكفؤ والسمي والمماثل والسلام من الشريك ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاماً مما يضاد كمالها فحياته سلام من الموت ومن السنة والنوم وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب وعلمه سلام من عزوب شئ عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقاً وعدلاً وغناه سلام من الحاجة إلى غيره بوجه ما بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غني عن كل ما سواه وملكه سلام من منازع فيه أو مشارك أو معاون مظاهر أو شافع عنده بدون إذنه ، وإلاهيته سلام من مشارك له فيها ، بل هو الله الذي لا إله إلا هو ، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره ، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه ، وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلماً ، أو تشفياً ، أو غلظة أو قسوة بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياء مواضعها ، وهو مما يتحقق عليه الحمد والثناء كما يستحقه على إحسانه وثوابه ونعمه بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضاً لحكمته ولعزته ، فوضعه العقوبة موضعها هو من عدله ، وحكمته وعزته فهو سلام مما يتوهم أعداؤه الجاهلون به من خلال حكمته . وقضاؤه وقدرته سلام من العبث والجور والظلم ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة ، وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته بل شرعه كله حكمة ، ورحمة ، ومصلحة ، وعدل ، وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة إلى المعطى ، ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق ، بل عطاؤه إحسان محض لا لمعاوضة ولا لحاجة ، منعه عدل محض وحكمه لا يشوبه بخل ولا عجز . واستواؤه وعلوه على عرشه سلام من أن يكون محتاجاً إلى ما يحمله أو يستوى عليه ، بل العرش محتاج إلى ما يحمله أو يستوي عليه ، بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه ، فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه ، فهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا حاجة إلى عرش ولا غيره ولا إحاطة شئ به سبحانه وتعالى ، بل كان سبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد ، بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره بوجه ما . ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه وسلام مما يضاد غناه ، وكماله سلام من كل ما يتوهم معطل أو مشبه ، وسلام من أن يصير تحت شئ أو محصوراً في شئ ، تعالى الله ربنا عن كل ما يضاد كماله . وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذل كما يوالي المخلوق المخلوق ، بل هي موالاة رحمة ، وخير وإحسان ، وبر كما قال ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ) . فلم ينف أن يكون له ولي مطلقاً بل نفى أن يكون له ولي من الذل . وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه أو تملق له انتفاع بقربه ، وسلام مما يتقوله المعطلون فيها . وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد فإنه سلام عما يتخيله مشبه أو بتقوله معطل. فتأمل كيف تضمن اسمه السلام كل ما نزه عنه تبارك وتعالى . وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان .
الرحمن الرحيم الكريم الأكرم الرؤوف
قال الله تعالى ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ) وقال تعالى ( ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ) . وقال سبحانه : ( ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد ). قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى : الرحمن ، الرحيم ، والبر ، الكريم ، الجواد ، الرءوف ، الوهاب ـ هذه الأسماء تتقارب معانيها ، وتدل كلها على إتصاف الرب ، بالرحمة والبر والجود والكرم وعلى سعة رحمته ومواهبه التي عم بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته ، وخص المؤمنين منها ، بالنصيب الأوفر ، والحظ الأكمل ، قال تعالى ( ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ) . والنعم والإحسان ، كله من آثار رحمته وجوده ، وكرمه وخيرات الدنيا والآخرة كلها من آثار رحمته ، وقال بن تيمية رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) سمى ووصف نفسه بالمكرم ، وبأنه الأكرم بعد أخباره أنه خلق ليتبين أنه ينعم على المخلوقين ويوصلهم إلى الغايات المحمودة كما قال تعالى : ( الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ) ( ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ) ( الذي خلقني فهو يهدين) فالخلق يتضمن الابتداء والكرم تضمن الانتهاء . كما قال في سورة الفاتحة ( رب العالمين ) ثم قال (الرحمن الرحيم) ولفظ الكرم جامع للمحاسن والمحامد لا يراد به مجرد الإعطاء من تمام معناه ، فإن الإحسان إلى الغير تمام المحاسن والكرم كثرة الخير ويسرته .. والله سبحانه أخبر أنه الأكرم بصيغة التفضل والتعريف لها ، فدل على أنه الأكرم وحده بخلاف ما لو قال (وربك الأكرم) فإنه لا يدل على الحصر ، وقوله (الأكرم) يدل على الحصر ولم يقل (الأكرم من كذا ) بل أطلق الاسم ليبين أنه الأكرم مطلقاً غير مفيد فدل على أنه متصف بغاية الكرم الذي لا شئ فوقه ولا نقص فيه
الفتاح
قال الله تعالى ( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم ) . الفاتح : الحاكم والفتاح من أبنية المبالغة . فالفتاح هو الحكم المحسن الجواد ، وفتحه تعالى قسمان : 1ـ أحدهما : فتحه بحكمه الديني وحكمه الجزائي . 2ـ والثاني : الفتاح بحكمه القدري ، ففتحه بحكمه الديني هو شرعه على ألسنة رسله جميع ما يحتاجه المكلفون ، ويستقيمون به على الصراط المستقيم ، وأما فتحه بجزائه فهو فتحه بين أنبيائه ومخالفتهم وبين أوليائه وأعدائه بإكرام الأنبياء واتباعهم ونجاتهم ، وبإهانة أعدائه وعقوباتهم وكذلك فتحه يوم القيامة وحكمه بين الخلائق حين يوفى كل عامل ما عمله . وأما فتحه القدري فهو ما يقدره على عباده من خير وشر ونفع وضر وعطاء ومنع ، قال تعالى : ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ) .فالرب تعالى هو الفتاح العليم الذي يفتح لعباده الطائعين خزائن جوده وكرمه ، ويفتح على أعدائه ضد ذلك ، وذلك بفضله وعدله.
الرزاق الرازق
وهو مبالغة من : رازق للدلالة على الكثرة والرزاق من أسمائه سبحانه . قال تعالى : ( إن الله هو الرزاق ) ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) وقال صلى الله عليه وسلم ( إن الله هو المسعر القابض الباسط ، الرازق ) ورزقه لعباده نوعان : عام وخاص . 1ـ فالعام إيصاله لجميع الخليقة جميع ما تحتاجه في معاشها وقيامها ، فسهل لها الأرزاق ، ودبرها في أجسامها ، وساق إلى كل عضو صغير وكبير ما يحتاجه من القوت ، وهذا عام للبر والفاجر والمسلم والكافر ، بل للآدميين والملائكة والحيوانات كلها . وعام أيضاً من وجه آخر في حق المكلفين ، فإنه يكون من الخلال الذي لا تبعة على العبد فيه ، وقد يكون من الحرام ويسمى رزقاً ونعمة بهذا الاعتبار ، ويقال (رزقه الله ) سواء ارتزق من حلال أو حرام وهو مطلق الرزق . 2ـ وأما الرزق المطلق فهو النوع الثاني ، وهو الرزق الخاص ، وهو الرزق النافع المستمر نفعه في الدنيا والآخرة ، وهو الذي على يد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو نوعان : أ ـ رزق القلوب بالعلم والإيمان وحقائق ذلك ، فإن القلوب مفتقرة غاية الافتقار إلى أن تكون عالمة بالحق مريدة له متأهلة لله متعبدة ، وبذلك يحصل غناها ويزول فقرها . ب ـ وزرق البدن بالرزق الحلال الذي لا تبعة فيه ، فإن الرزق الذي خص به المؤمنين والذي يسألونه منهم شامل للأمرين ، فينبغي للعبد إذا دعا ربه في حصول الرزق أن يستحضر بقلبه هذين الأمرين ، فمعنى (اللهم أرزقني) أي ما يصلح به قلبي من العلم والهدى والمعرفة ومن الإيمان الشامل لكل عمل صالح وخلق حسن ، وما به يصلح بدن من الرزق الحلال الهني الذي لا صعوبة فيه ولا تبعة تعتريه .
الحى القيوم
قال الله تعالى : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) وقال سبحانه ( ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) وقال عز وجل وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً .وهما من أسماء الله الحسنى ، والحي القيوم جمعها في غاية المناسبة كما جمعها الله في عدة مواضع في كتابه ، وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الكمال ، فالحي هو كامل الحياة ، وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية لله كالعلم والعزة والقدرة والإرادة والعظمة والكبرياء وغيرها من صفات الذات المقدسة والقيوم هو كامل القيومية وله معنيان : 1ـ هو الذي قام بنفسه ، وعظمت صفاته واستغنى عن جميع مخلوقاته . 2ـ وقامت به الأرض والسماوات وما فيهما من المخلوقات ، فهو الذي أجدها وأمدها وأعدها لكل ما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامها ، فهو الغني عنها من كل وجه وهي التي افتقرت إليه من كل وجه ، فالحي والقيوم من له صفة كل كمال وهو الفعال لما يريد .
الرب
قال الله تعالى : ( قل أغير الله ابغي رباً وهو رب كل شئ ) . هو : المربي جميع عباده ، بالتدبير ، وأصناف النعم ، وأخص من هذا ، تربيته لأصفيائه ، بإصلاح قلوبهم ، وأرواحهم وأخلاقهم . ولهذا كثر دعاؤهم له بهذا الاسم لأنهم يطلبون من هذه التربية الخاصة .